أفكار وآراء

مالـيـزيا وتـحقـيـق النـمـو الاقـتـصــادي

13 مايو 2017
13 مايو 2017

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

طرح الدكتور مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي السابق مؤخرا في محاضرته التي ألقاها في الملتقى الثالث حول المجتمع والاقتصاد 2017 للدقم برعاية صاحب السمو السيد أسعد بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثل الخاص لجلالة السلطان الكثير من المحاور التي تهم الاقتصاد العماني. وهذا الملتقى الذي نظمته فرع غرفة تجارة وصناعة عمان بالمحافظة الوسطى ركز على مناقشة فرص الاستثمار التي يمكن أن تساعد في تعزيز التنويع الاقتصادي. وقد تناول المحاضر في حديثه بعض الفروقات التي يمكن مشاهدته بين الاقتصادين العماني والماليزي، والتي توحي بأنه لا يمكن أن يتحقق أمر ما في عمان مثل ما يتحقق في ماليزيا، والعكس صحيح، مؤكدا أن الجميع يتفق بأن مسائل الانتاجية والجودة والإتقان في العمل الجاد والمحاسبة، والبعد عن الفساد والتدقيق في المسائل التي تهم الوطن، وعدم فرض الضرائب الكبيرة والشروط التعجيزية تجاه الاستثمارات المحلية والأجنبية، وضرورة تقديم الحوافز والتسهيلات للاستثمار الأجنبي والمحلي وغيرها من الأمور الأخرى التي تتعلق بجودة التعليم والتدريب والتأهيل، بالاضافة إلى الانفتاح على المعارضة والتشاور معهم تجاه قضايا وطنية لهي أمور مهمة لمعالجة أية تناقضات ربما تحبط من الاستمرار في قضايا التنويع الاقتصادي، والنمو الاقتصادي الذي تستهدفه الدولة سنويا.

من جانبه رأينا أن صاحب السمو أكد في حديثه المقتضب على ضرورة الاستمرار في مسألة تنويع مصادر الدخل وتنمية القطاعات غير النفطية، معربا عن أمله في أن تستفيد السلطنة من التجربة الماليزية، التي تعتبر نموذجا ناجحا للتنمية، فيما يتطلع العمانيون دائما للاستفادة من التجارب المفيدة الأخرى في شتى المجالات.

ماليزيا منذ استقلالها في نهاية الستينات وحتى اليوم تعمل على تنويع مصادرها القومية، وعدم المكوث على إنتاج سلعة واحدة، بجانب استغلال كل مصدر في الطبيعة. ومن هنا فإنها تحقق سنويا النمو الاقتصادي المستمر بالرغم من الصعوبات التي تواجهها الدول الأخرى في المنطقة. فالبنك الدولي يتوقع بنمو الاقتصاد الماليزي بنســبة 4.3% في المائة في العام الحالي 2017م وسينمو بنسبة 4.5% في العام المقبل 2018 بعد التأقلم في أسعار الطاقة المنخفضة واستقرار أسعار السلع الأساسية. فماليزيا بلد ذات 30 مليون نسمة تنتج ما يقارب من 600 ألف برميل نفط يوميا، إلا أنها دخلت في معترك إنتاج العديد من السلع والمنتجات التي إنتاجها من الزراعة والصناعة، بجانب استغلالها للامكانات السياحية التي تتمتع بها. وأنها مقبلة على النمو الاكبر في حالة انتعاش أسعار النفط ومنتجات التصدير بالرغم من أنها تأثرت قليلا من تراجع صادرات الصناعات التحويلية والنفطية بسبب ضعف الطلب العالمي خلال السنتين الماضيتين. وعموما يواصل الاقتصاد الماليزي نموه وسط سوق إقليمية وعالمية متقلبة، وفي منطقة تتواجد بها عدد من الدول المنافسة، وهذا ما دفع البعض إلى إظهار توقعات ربما تكون على خلاف المأمول نحو اقتصاد ماليزيا، إلا أن خبراء يرون أن حالة الاقتصاد الماليزي من وجود ركود وأزمات، لا تقف أمام الحقائق والأرقام، وأن الاقتصاد يتجاوز ذلك ويواصل نموه. وقد بلغ إجمالي النمو الماليزي 4.5% من الناتج المحلي (GDP) في الربع الأخير من العام الماضي 2016، و4.2% نموا للناتج المحلي الإجمالي في المائة لكامل العام الماضي، وذلك في وقت تواجه فيه البلاد تحديات كبيرة، والاقتصاد لا يزال في وضع توسعي، ولو بشكل متواضع. ويرى الخبراء أن معدل نمو 4.2% في الواقع ليس مجرد اجتماع معدل مستهدف وضعته الحكومة تحت معايير ميزانية 2016، ولكنه أيضا معدل جيد وسط المعايير العالمية والإقليمية. ففي الوقت الحالي، حتى في الولايات المتحدة، في ظل الرئيس الجديد دونالد ترامب، يطمح إلى تحقيق معدل نمو قدره 4%. كما أن تايلاند، التي من بلدان جنوب شرق آسيا، وصلت بالكاد إلى نسبة نمو 3.5 % وفق مصادر رسمية. فالاقتصاد الماليزي لا يزال على الطريق الصحيح وأداءه أفضل في هذه الحقبة مع اتجاه معتدل للنمو، مقارنة بكثير من الدول الأخري، ولا يزال الطلب المحلي هو القوة الدافعة للاقتصاد، وذلك بفضل الإصلاحات الهيكلية التي بدأتها الحكومة الاتحادية منذ عام 2009. ونما كل من الاستهلاك الخاص والاستثمار الذي دعم الاقتصاد في الربع الأخير من العام الماضي 2016، وصاحب هذا النمو في الأجور وفرص العمل، في حين أن توافر فرص العمل يرتكز إلى التحسن في الإنفاق الرأسمالي في قطاعي الصناعات التحويلية والخدمات. وقد نشطت صافي الصادرات، حيث تجاوز نمو الصادرات الحقيقية نمو الواردات الحقيقية في الربع الأخير من العام الماضي 2016. وقد أدى ذلك إلى اتساع الفائض الحالي، وقلل من خطر وجود عجز مزدوج في المستقبل القريب.

وبالنظر إلى الاقتصاد الماليزي نجد أن الصناعات الماليزية بمختلف أشكالها تعتبر من أهم دعائم الاقتصاد الماليزي، فالمنتجات الماليزية التي تُصدر كل عام ترتفع ارتفاعاً مطرداً، حيث سجل الاقتصاد الماليزي ارتفاعاً منذ بداية عام 2014 بلغت نسبته 6.2% مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2013 والذي بلغ 4.2%، ومما أدى إلى نمو مجمل التجارة الماليزية إلى 715 مليار رنجيت، وسجلت نسبت الصادرات زيادة بلغت 12.5% نتيجة لزيادة الطلب على السلع الماليزية.

ومن هذه الصناعات التي تعد ركيزة مهمة في عائدات التجارة الماليزية هي صناعة الإلكترونيات والأدوات الكهربائية، والتي تعتبر من الصناعات الرائدة ويبلغ حجم مساهمتها 24.5% في الناتج المحلي الماليزي. ويقسم الخبراء صناعة الإلكترونية والكهربائية إلى أربعة أقسام هي المكونات الإلكترونية، والإلكترونيات الصناعية، الإلكترونيات الاستهلاكية، المنتجات الكهربائية، حيث ظهرت الصناعة الكهربائية والإلكترونية في ماليزيا عام 1960 بعمليات تصنيع مبدئية لأغراض خفيفة كانت تستخدم آنذاك، وتحولت على مدار العقود الأخيرة إلى واحدة من أهم النقاط البارزة في عالم المنتجات العالمية. وبلغت قيمة الصادرات الماليزية من المنتجات الإلكترونية والكهربائية 20 مليار رنجيت منذ بداية العام 2014 بحصة بلغت 32.1% من مجمل صادرات السلع التي تصدرها ماليزيا، بزيادة قدرها 14.6% عن عام 2015 ولوجهات متعددة. وجاءت الصين في مقدمة الدول الرئيسية التي تصدر إليها ماليزيا منتجاتها الإلكترونية والكهربائية بأكثر 31 مليار رنجيت، وتلتها الولايات المتحدة 24.7 مليار رنجيت وسنغافورة 24.1 مليار رنجيت والاتحاد الأوروبي وهونج كونج 17.4 مليار رنجيت واليابان 12.4 مليار رنجيت وتايوان.

ومن جانب الشركات الماليزية فإنها وبدعم سخي من الحكومة تواصل تطوير أنشطتها التصنيعية وزيادة نشاطها في البحث والتطوير وتنمية الدوائر الكاملة للصناعات الإلكترونية والكهربائية، حيث يصنف هذين القطاعين من بالمحرك الرئيسي للاقتصاد الماليزي، فهما يساهمان في نمو الناتج المحلي الإجمالي وفي عائدات الاستثمار الخارجية، إضافةً إلى استيعاب الموظفين في شتى الأقسام، فيما تعد الاستثمارات الأجنبية لاعباً أساسياً في الاقتصاد والمساهمة في تقدم ماليزيا صناعياً وتكنولوجياً نحو البلدان المرتفعة الدخل من خلال التركيز على القيمة عالية، في حين تعد الشركات الماليزية العاملة في هذا القطاع قادرة على تطوير قدراتها ومهاراتها بشكل كبير من ناحية التصنيع والتجميع وإعادة التصميم، في العديد من الأقسام الفرعية لهذا القطاع مثل المكونات الإلكترونية وقطع الغيار، والإلكترونيات الصناعية، والإلكترونيات الاستهلاكية.

كما أن الحكومة الماليزية تعمل وبشكل وثيق مع المؤسسات الحكومية والهيئات التشريعية إضافةً إلى القطاع الخاص، على ضمان تطوير وتعزيز الصناعات الإلكترونية والكهربائية وتذليل العقبات أمامها، إضافةً لتبادل الخبرات بينها وبين الشركات العالمية، خاصة وأن المنتجات التي تنتجها هذه الشركات أصبحت ذات جودة عالية تنتشر في جميع الأسواق العالمية. ومن هذه المنتجات أشباه الموصلات الإلكترونية والدوائر المتكاملة، والترانزستورات والصمامات، وتصنيع الشرائح الإلكترونية وصناعة تصاميم “الآي سي”، وتجميع وتعديل الأجهزة الإلكترونية وقطع غيار الحاسب الآلي وغيرها من المنتجات المهمة في هذه المجالات.

ومن هذا المنطلق فإن الاستفادة من التجربة الماليزية أصبحت مهمة لدولنا في المنطقة، خاصة وأن السلطنة تستعين اليوم بتنفيذ سياسة التنويع الاقتصادي من خلال برنامج «تنفيذ»، والتي تعد تجربة جديدة نأمل بأن تحقق المزيد من التطوير والإتقان في العمل وتسهيل الكثير من العقبات والتحديات التي تواجه الاستثمار المحلي والأجنبي في البلاد.

[email protected]